يا داراً ما بداخلك إلا شراً ؛
في رحلة مفروضة واجبة مغروضة ، من رحلات الشديد القوي ، كانت وجهتي الي مدينة الهِباب والضباب ، عاصمة الخداع والنفاق ، واوكار التآمر والتخابر ، وأرض الغضب الإلهي وأوبئة الضلال وكبائرالفواحش واللمم . المدينة التي بها أي شئ ، وتعج بكل شئ ، إلا الرحمة والتقوي والانسانية . تطفو فوق برك الرزيلة والمجون والفسوق والضلال ، مدينة المساطيل والخبال وألإنحلال .
إمتطيت صهوة زاملتي ، متوكلا علي الحي القيوم ، رافع السماء والبلاء ، باسط الارض والرزق والرحمة . رافعا أكُف الضراعة والتوسل ، سائلا المولي القدير الفلاح والنجاح في مقصدي ، وأن ينجيني من شرور السفر والترحال والسؤال والعمل البطال ، ويسلمني من سوء النية وقبيح القصد ، ويجنبني مواطن المكر والدهاء ، وأوكار الصواطة والعواسة ، ومراكز الجبروت ودواوين المتكبرين من المتمكنين في ألأرض بغير حق ، من السفهاء والمتخلفين ، وقصور وجِنان المحتكرين للأقوات ، والمتسلقين كراسي الحكم وخُدام السلطة ( بالأسود والتوم والخل والزبادي ) .
أتصلت بـصديق ليكون عونا لي علي السفر ، فما أن علم بوجهتي حتي تمني لي التوفيق هربا بدلا من أن يلتقيني عند مدخل تلك المدينة الماجنة والتي تحيط بها الجداول والوديان ، واحات خضراء بالطحالب ، متناثرة علي سطوحها أوراق من خريف الغضب والنَصَب ، ونفايات البزخ والحرام وبقايا الترف والفسوق تلفها اوراق السلفان وحاويات البيتزا وأكياس الشاورمة والشواء والبيرقر تنبعث منها رائحة نتن لحوم الحمير والكلاب والخنازير .
مدخل يوعد القادم الجاهل بها ، برحلة في ربوع أرض الفسق والضلال والنفاق تجري من تحتها روافد الرزيلة وانهار ألإنحلال وجسورالإغواء والتحرش ومقاصل الإرغام وأحرف التزييف وسياط القهر والظلم . مدينة هي أصبحت لا تشبه شيئا ، ولا تعني شيئا ولا تساوي شيئا .
نظرت اليها وأمعنت النظر من خلال تلك البوابة البانورامية المشهد ، فما رأيت إذ رأيت سوي إمراة مجونية مبهرجة يحمل وجهها من البدرة والمساحيق ذات الالوان الصارخة والمكياج والظلال كقيح مخلوط بدم الأبرياء الشرفاء ، وزينة قوامها الذهب والماس والبلاتين ذات سحنة شرق آسيوية ولهجة مومسية ونظرات ماجنة ، تجلس علي كرسي الترف الماجن ، يتدفق من جانبيه فائضها من الشحم واللحم بترهل مقرف ، وامامها فترينة تعج بمواعين الخشخاس والحشيش والافيون والماريقوانا والكوكائين بدلاً عن البن والشاي والحلبة والكركدي الخ ... مبهرجة بالأحمر والاخضر والأصفروالاحمر وكل ألوان الطيف ورائحة البخور تتلوي في تيارات متصاعدة ودوامات الاهواء والأجواء معبقة محيطها بالشهوات والملذات والدعوات الصريحة ، صارخة تدعو من يسمعها إفعل ما يشئت ،، إفعل ما شئت ، فالحياء لا يدخل مثل هذه المواخير والامكنة ، ولا يرتادها إلا من فارقه حياءه .
تنشق أنفي المرغوم روائح الخسة والدناءة ، وضربت بأبخرتها سقف الناصية ، ليتزلزل من هولها بعد ثبات ، ولكنه قاوم بمناعة مكتسبة ، وبإيمان راسخ لتخرج منه ( أُفٍ ) بقناعة تامة وبِرَدةِ فعلٍ أقوي ، متمنعا يخشي الله ويتقيه .
مالي أري الناس سُكاري ، لا تحملهم أقدامهم التي قد تمت مقايضتها بأجنحة الشياطين والعفاريت ومخالب البطش والتنكيل . ليس من سُكر بخمرة ، ولكنه سُكرٌ من نوع آخر ، ألا وهو سُكرٌ بالدنيا ، وياله من سُكر ، فها هم لازالوا يتنرنحون في سعيهم نحو الساحات والاوكار والباحات . فالحق اصبح شئ ما عاد للناس به من حاجة ، لان الحق اصبح في هذا الديار عملة عفا عنها الزمن ، لا يهدي ضالاً ولا يقيم عدلا ولايستر تائباً ولايشفي مريضا ولايعلم جاهلا ولا يسقي شربة ماء ولا دواء ولا كساء ولا حياة ولا قوة تناصر الصواب ، بل يجلب الدمار والهلاك لصاحبه ، فمناصروه هم من أقلية مغلولة منبوذة ، ما عاد لها كيان بَيِّن ، فتتواري عن الساحة فاسحة المجال ، تاركة لهم الحبل علي القارب ليفعلوا ما يشاءون . وهي تخطو بعيدا نحو الإنزواء ، تهمهم بصوت خافت لا يُسمع " ملعون أبوكي بلد ..."
بــــــس ...
بالمناسبة ! حموني أدخل ،، عشان أبيت أدفع رسوم العبور ..
"المحجوب "

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة المحجوب (المشاركة 280622) بــــــس ... بالمناسبة ! حموني أدخل ،، عشان أبيت أدفع رسوم العبور .. "المحجوب "