منتديات الحصاحيصا نت alhasahisa

منتديات الحصاحيصا نت alhasahisa (http://www.alhasahisa.net/vb/index.php)
-   «۩۞۩-منتدى الحصاحيصا الحر-۩۞۩» (http://www.alhasahisa.net/vb/forumdisplay.php?f=7)
-   -   الفقرا العزمو القطر (http://www.alhasahisa.net/vb/showthread.php?t=29112)

عصمت الصادق حماد 01-18-2024 06:16 AM

الفقرا العزمو القطر
 

لدينا عبارة شائعة دائما ما نرددها (البلد ضيقة)، وليس المقصد هنا بضيق المساحة، على قدر ما نقصد بها بأن السودانيين يمتازون بتواصل اجتماعي فريد فقل أن تذهب إلى مكان ما إلا وتجد نفسك تعرف منه شخص أو أكثر جمعتك به ظروف دراسة أو عمل أو اغتراب، فاليوم نبحر في قصة هي أقرب إلى الأفلام الهندية وتشعباتها بطلها العقيد شرطة مرتضى العالم إبان عمله بولاية كردفان حيث يقول:
عندما تخرجت من كلية الشرطة في العام 2001 كانت ولاية غرب كردفان أولى المحطات العملية وكنا نعاني مانعاني من صعوبة ووعثاء السفر حتي أننا كنا نبيت بمدينة الأبيض ذهابا وإيابا المهم في مرة من المرات وحينها كنت متوجها لمدينة الفولة حاضرة الولاية تحركنا من مدينة الأبيض على متن عربة لاندروفر بيك اب تسمي باللهجة المحلية (ام جليلي) تعطلت بنا هذه العربة عند منطقة تسمي السنوط وانقطعت بنا السبل وما كان يشغل بالنا ان من بين الركاب نساء وأطفال وشيوخ ولا سبيل لإصلاح العربة الا بالرجوع لمدينة الأبيض أو بلوغ مدينة الفولة لإحضار ما يلزم من قطع غيار وأصبحنا وأمسينا في حالة يرثي من الجوع والعطش والإرهاق ذهبت ومعي مجموعة من الشباب نتحسس ونتفقد المنطقة علنا نجد من نأوي إليه ويسد رمقنا مناً منه أو بالفداء وبينما نحن نتجول اذا بنا بفريق للعرب يسكنه العم عبدالقادر مع أفراد أسرته وهو ينتمي لقبيلة المسيرية فهم عادة ما يسكن الفرد منهم مع عائلته فقط فيما يسمي بالفرقان ألقينا عليه التحية فبادلنا إياها ردا بأحسن منها وأخبرنا هو بقصتنا وتعطل العربة بنا والوقت حينها كان يميل الي الغروب ولعلنا من باب الظرافة والطرافة ودفعا للحرج عنه فما نعلم حاله طلبنا منه أن يبتاعنا شيء من سعيته حتي نقوم بذبحها ونعد منها طعاما نأكله فما ان تفوهنا بهذه الكلمات إلا ورأينا أسدا في جلباب إنسان هاج وماج وزأر ونتر وأرغد وأزبد واشتاط غيظا وغضبا ولم يتبقى له إلا أن يحمل عكازته الغليظة تلك التي كان يلوح بها في وجوهنا وينهال علينا ضربا وتقتيلا وهو يصيح فينا بأعلى صوته أمشوا من هنا أنا ما عندي بهيمة أبيعا ليكم ما عندي بهيمة للبيع أمشوا مني فما كان منا إلا أن عدنا أدراجنا من حيث أتينا ومرقننا كرعينا ونحن في غاية الاستغراب والحيرة من تصرف هذا الرجل.
لم نمكث طويلا ولم نستفيق من أثر هذه الصدمة حتي رأينا من على البعد نورا وشعاعا يقترب نحونا شيئا فشيئا من جهة الفريق وصرنا نترقب ذلك فإذا بأبناء العم عبدالقادر أمامنا وهم يحملون الطعام والشراب وبراد الشاي وقالوا هذا الطعام والشراب للزول البحرس العربية (شوف النباهة) وأبوي قال ليكم تعالوا وهو الآن راجيكم ذهبنا والدهشة تكاد تلجمنا وجدنا الرجل في الحال التي تركناهو فيها من الزعل والغضب وهو يقول انتو كيف تهينوني في بيتي وفي داري ولم تحترموا شيبتى دي كيف وأنتم ضيوفي تقولوا لي أبيع ليكم بهيمة الكلام ده ما عيب عليكم الكلام ده ماعيب أودى وشى وين من الناس اقولو عبد القادر باع الأكل للضيوف في اللحظة ديك والله ادركنا تمام الإدراك بارتكابنا لجرم عظيم وخطأ فادح وبقينا صغار فالشينة منكورة وتمنينا لو أن الأرض تنشق وتبتلعنا ظللنا نلتمس منه العذر وأننا أتلومنا واللوم راكبنا من رأسنا لكرعينا وطلبنا منه العفو والمسامحة حتي هدأت نفسه رويدا رويدا وقال لينا اتفضلوا اتفضلوا الدار داركم والله سعيتي ومالي ده كلوا فداكم وأخذ يصيح يا ولد سوق النسوان على ناس أمك بيغادي يا ولد جيبوا العشاء وطبعا لقينا الطعام جاهز اللحمة ديك بالقدح الكبير واللقمة بملاح الشرموط الأخضر بوخا لاوي والشاي بالكفتيرة الظهرية الكبيرة أكلنا وشربنا واتكيفنا للآخر وذهب ما بنا من جوع وعطش وتعب وأخدنا نتجاذب أطراف الحديث .
ثم أردف قائلاً: والله السودان ده بخيرو وأنا والله الموقف السويتو معاكم ده اتعلمتو من ناس قرية في الجزيرة قرب المسلمية والزمن داك كنا راكبين قطر نيالا متوجهين نحو الخرطوم والقطر جايب ناس الغرب كلهم ملان فوق وتحت وتعطل بنا في قرية اسمها وقبل ما ينطق الاسم (طبعا انا داخل الفلم قبل كده) فقاطعته مجيبا قرية الفقراء قال لي نعم ولكنه سرعان ما استدرك وانتبه لكلامي وقال يا ولدى فعلا الفقراء لكن انت عرفتها كيف انت كنت معانا في القطر ولا شنو قلت ليهو يا حاج نعم كنت معاكم في القطر ولكنى لم أكن من بين الركاب فهذه القرية هي قريتي وأنا كنت ضمن من حملوا لكم الشاي والقهوة وفجأة ووسط دهشة الجميع نهض وهب واقفا وأخذ يصيح بأعلى صوته انت من الفقراء انت من الفقراء انت من الفقراء واندفع نحوى واخذ يحتضنني ويقبل رأسي وهو يبكي ويقول البقدم الخير بلقاهو البقدم الخير بلقاهو البقدم الخير بلقاهو ثم أخذ نفسا عميقا بعد ذلك مستجمعا قواه والعيون ترقبه عن قرب بكل فضول وشغف لمعرفة تفاصيل القصة التي واصل في سردها قائلا عندما تعطل بنا القطار والركاب بالمئات دخل بعض الركاب القرية لشراء الطعام ولكن تجار السوق الذى كان يقع بالقرب من خط السكة حديد عندما تبينوا أنهم من ركاب القطار رفضوا لهم البيع وقاموا بإغلاق السوق والذهاب لمنازلهم بتاع الدكان يقول انتو ضيوف ما بنبيع ليكم بتاع الخضار يقول إنتو ضيوف ما بنبيع ليكم بتاع الفرن يقول إنتو ضيوف ما بنبيع ليكم وما لبثنا ساعة حتى تقاطرت علينا جموع الحلة عن بكرة أبيها وتوافدوا نحونا جماعات وفرادى شيبا وشبابا وأطفالا بالطعام والشراب وترامس الشاي والقهوة وظننا بادئ الأمر وإن بعد الظن إثم ان ما أصبحنا عليه من حال وانقطاع فرصة وسانحة لسوق رائج للتجارة والتكسب والربح وان هؤلاء الأهالي يستغلون هذا الظرف لبيع الطعام والشراب ولكن تجارتهم كانت من نوع آخر بيعا وشراءً وثمنا فربح بيعهم عند الله فسرعان ما تبدد هذا الظن باليقين القاطع بكرم أهالي هذه القرية ونواياهم الطيبة وخصالهم السمحة فأدخلوا النساء والأطفال للبيوت وفتحوا الدواوين وكان ديوان شيخ الحلة وقتها (الجد الزين الحسن حماد) وديوان المسيد بالقرية (الشيخ الأمين أحمد عوض الكريم) شهودا على ذلك عليهم من الله الرحمة والمغفرة حيث ذبحت الذبائح وأقيمت الولائم وأمتلأ المسجد بالمسافرين وكان هناك عدد كبير من عساكر الجيش والما دخل الحلة الأكل والشراب يمشي ليهو في محلوا في القطر واستمر بنا هذا الحال مدة ثلاثة أيام حتي تم إصلاح القطار وغادرنا هذه القرية التي تعلمنا منها الكثير فودعناها وفى النفس حسرة والعيون تزرف الدموع والسنتنا تلهج لهم بالمدح والثناء وقلوبنا وأكفنا تتضرع لهم بالخير والبركة والزيادة في الرزق والمال والبنين.
ظل الحاج عبد القادر يسرد في وقائع هذه القصة والصمت يكتنف المكان ويعود بأدراجه على عجلات الزمان فتتوقف كما توقفت عجلات القطار بتاريخ 6 أبريل 1986م، عند هذه القرية وكأنى بالجميع يتمنون الوقوف على أطلالها وتنسم نسماتها واستنشاق عبير ترابها ومصافحة أهلها فردا فردا شكرا وحمدا وتقديرا.
وبنفس حرارة اللقاء كانت لحظات الوداع ففي صبيحة اليوم التالي تم إصلاح العربة فغادرنا العم عبدالقادر وقد تعلمنا منه الكثير من الطيبة والسماحة والعفوية التي لا تحدها حدود والمروة والشهامة والبشاشة وكان وداعنا له كوداعه لقريتنا الحبيبة قرية الفقراء ريفى الحصاحيصا وظل العم عبدالقادر متواصلا معي لفترة من الزمن يأتي لزيارتي كلما حضر لمدينة الفولة وقد كنت وقتها مديرا لسجن الفولة نحمد الله أن جعلنا شهودا علي هذا الموقف كما شهدت عليه صحيفة السياسة التي كانت إحدى مراسليها وتدعى ناهد ضمن الركاب وقد حمل عنوان مقالها (أصالة أهالي قرية الفقراء) وقد كان من ضمن الركاب فريق الأهلي كركوج حيث اقيمت مباراة ودية مع فريق السهم بالقرية.
نسأل الله أن يتقبل منا ومن سائر أهل القرية ومن العم عبدالقادر وأن يثقل به موازين الحسنات يوم لاينفع مال ولا بنون إلا من أتي الله بقلب سليم

https://up6.cc/2024/01/170555853570961.jpg


الساعة الآن 05:43 PM.

Powered by vBulletin Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010

vEhdaa 1.1 by NLP ©2009