نظام الإنقاذ.. الإفقار والتجويع

أول ما عمل النظام عمل على تكسير وسائل عيش الإنسان ليجوع ويفتقر ويصبح في حالة يرثى لها تسوقه إلى الإستكانة لمخططه بتغيير ولائه الموروث عقائديا وسياسيا.. فكان أول ما استهدفته إنسان الوسط ومشروع الجزيرة العملاق، والذي بني على شراكة فريدة، إذ كانت إدارة مشروع بركات تمثل الشريك الممول.. فمنذ التأسيس يخصم لهذه الإدارة 10% من مبيعات القطن نصيبا للمول في هذه الشراكة.

وقد ظلت هذه العلاقة محافظا عليها إلى قيام هذا النظام الأسود، الذي عمل على تكسير المشروع بدءا بتغيير الإدارة، ثم بيع جميع آليات الهندسة الزراعية حتى لا يتم حرث الأرض وتحضيرها، وهذا انتفاء لأول شروط الشراكة.. ثم أوقف التمويل، وهذا انتفاء للشرط الثاني الذي تقوم عليه الشراكة بين الحكومة كشريك ممول والمزارع كعامل زراعي بعد دفع الأجرة السنوية لملاك الأراضي.

لم تعد هناك علاقة فيما ينتجه المزارع والذي يباع خارج السودان ولا تعرف القيمة التي يباع بها بعد أن تشتريه مؤسسة الأقطان من المزارعين بسعر قنطار النفايات (100 جنيه) والذي تصنع منه المخدات والمراتب واللبد، وذهبت نسبة الـ (10%) التي كانت تشكل ميزانية بركات. وأصبحت ميزانية المشروع تجمع من المزارعين الأشقياء التعساء ضريبة أرض وماء تترواح ما بين "35 - 95" جنيه على الفدان، وقد تحول مفتشي الغيط من مرشدين زراعيين إلى جباة حتى أعدموا المزارع السارحة والمتراوحة سدادا لمديونيات بمختلف المسميات.

ثم جاءت مزاعم توطين القمح بالشمالية، حيث أرسلت أفضل آليات مؤسسة الحوتدمير لمشروع الجزيرة تحت مزاعم الخصخصة طال أيضا مشاريع الرهد الزراعي وحلفا والنيل الأزرق والنيل الأبيض وأسلم المزارعين إلى المسبغة والعوزفريات للشمالية!! ثم تبعتها سياسة تحويل مسئولية الري لإدارة بركات حيث لا يوجد لديها مهندسو ري!! فكان أن جاءت كراكات شركة (روينا) وبعض الأفراد لتنظيف الترع وقنوات الـ (أبو عشرين) بلا خبرة، حيث صار مجرى الترع أعمق من مستوى مواسير قنوات الـ (أبو عشرين)!! فأصبحت الحواشات عطشى، والماء يجري في الترع.. ثم لحقتها الخصخصة غير الرشيدة فبيعت قضبان سكك حديد الجزيرة لمصانع "جياد"، حيث أنشيء مصنعا للمنتجات الحديدية والبلاد ليس بها منجم حديد واحد!! ثم كان مسك ختام الخصخصة بيع بيوت العاملين بالمشروع بالأقساط.. وقد تعلمون أو لا تعلمون أن ممتلكات مشروع الجزيرة من مصانع نسيج أو مطاحن غلال أو محالج أقطان أو منازل ليست ملكا حكوميا، إنما هي ممتلكات للشركاء جميعا، ولا يحق للنظام الإسلامي أن يتصرف بمعزل عن الإرادة الحرة للمزارعين.


مشروع الجزيرة: الصرح التنموي وعائداته المجزية
لقد نعمت منطقة الجزيرة بخدمات المياه والصحة الأولية وبناء المساجد والأندية بفعل جهود الرواد من قادات المزارعين والإدارات الرشيدة المتعاقبة، الذين ابتدعوا مال الخدمات الإجتماعية، حيث قامت هيئة توفير مياه الجزيرة بحفر الآبار الجوفية.. حينها كان جل أهل السودان في المدن يشربون من الأنهار (مياه الترسيب)، وغيرها من الخيران والبرك.. وقد لا يعلم الناس أن للأقطان عائدا آخر، وهو بيع بذرة القطن لمصانع الزيوت ويصرف عائدها للمزارعين تحت مسمى "العلاوة"، ولا يعرف الناس اليوم أين ذهبت مليارات عوائد بذور الأقطان!! وهكذا صارت منطقة الجزيرة مركز جذب وتوظيف للمهارات الزراعية والمهنية، والعمالة الموسمية، مما أدى إلى التمية الريفية والحضرية.

كما مثلت عائداته من بيع الأقطان نسبة بضع وأربعين بالمائة من عائدات ميزانية الدولة.. إن ما تم من تكسير وتدمير لمشروع الجزيرة تحت مزاعم الخصخصة طال أيضا مشاريع الرهد الزراعي وحلفا والنيل الأزرق والنيل الأبيض، وأسلم المزارعين للمسبغة والعوز.

ورثت الإنقاذ نظام التعليم المجاني والعلاج المجاني، حيث كان يطعم المريض بالمستشفيات، ويجد أبناء الأقاليم تعليما مجانيا بالمدارس الثانوية والجامعات، حيث لا يتميز طالب عن آخر إلا بما حباه الله من ذكاء وقدرات.. فأصبح التعليم والصحة اليوم سلعة لا ينالها إلا أهل المال والنفوذ في الخارج والمشافي الخاصة بالداخل.

كما أرهق المواطن البسيط بالتحصيل والجبايات تحت مختلف المسميات كـ (عبور كباري، دعم الطلاب، دمغة جريح، الشهيد، إلخ...)، مليارات تذهب لجيوبهم لا ينتفع منها أبناء الفقراء بشيء

ومن أسوأ بدع هذا النظام مقايضة الولاء بالخدمات، إذ أن الخدمات حق للمواطن على الدولة نظير الضرائب وليست بمنحة.. أما أمر الكهرباء فحدث ولا حرج، إذ أصبح أمرها موضوعا تبتز به الدولة المواطنين وترشوهم كي يسجلوا أصواتهم للمؤتمر الوطني (اللا- وطني)، وقد يعجب المرء كيف تغير حال الإنسان السوداني البسيط العفيف النقي التقي الطاهر الصابر إلى كائن إجتماعي يتعايش مع ظاهرة السرقة والكذب والغش والخداع والتزوير، وأصبح إستحواذ المال العام كل حسب قدرته ولا يسأل والأمثلة كثيرة لذلك!! والتسويات جارية على النحو الذي يرد على مضابط المجلس الوطني عقب كل ميزانية "التعدي على المال العام".

والعجب العجاب الذين ساقوا الشباب للحرب باسم الجهاد وخلفوا ورائهم أرتالا من الجرحى والمفقودين والذين عبروا إلى ربهم صاروا شركاء اليوم متقاسمين للسلطة والثروة، ونسوا ما كانوا يرددونه عن أعداء الدين وخونة الوطن!!

أيها الإخوة،
نحن الضحية ونحن الخاسرون ونحن الذين حرمنا من أبسط ما كانت تقدمه الأنظمة الحكومية السابقة، وأنتم تعلمون أن ما كان يجمع من المواطن لا يتعدى ضريبة قطعان، وعتب منازل ورخص تجارية وصحية.. هذا المبلغ وعلى قلته كان يرجع خدمات للمواطنين، فأين الخدمات اليوم والبارحة وغدا من مبالغ تجمع بالمليارات يوميا، وأين تذهب هذه الأموال؟

الإخوة الأفاضل،
أحزابنا الإتحادي الديموقراطي وحزب الأمة، وما تفرع منها من أحزاب.. ما هو دورها في جميع المفاسد التي لحقت بالإنسان، فهي لم تدافع ولم تعترض على كل ما لحق بالإنسان، بل كان همهم أن يجتنوا ويغتنوا ويتشاركوا حكمنا مع المجموعة التي سرقت السلطة ليلا كلصوص الدجاج وأراقت الدماء وأزهقت في عهدها أرواحا سيسئلوا عنها جميعا.

أيها الإخوة،
علينا أن نجلس مع بعضنا ونفكر طويلا في تنظيم يحمل مآسينا ومظالمنا، ويملكنا حرية الرأي والتعبير، إذ أن الأحزاب ليست بدين الله "إن الدين عند الله الإسلام".. فأين هؤلاء الحكام وحلفائهم من دين الله عندما رفعوا الصليب في الساحة الخضراء لبابا الفاتيكان والحديث طويل وقد يستغرق الزمن غير المحدود.. علينا أن نفكر في التنظيم الذي تتمثل فيه إرادتنا وتتبلور فيه شخصيتنا، ونقدم من نراه أهلا لخدمة البلاد والعباد


الحزب الوطني الإتحادي