من يحدثنا بطريقة هيكل
[justify]
أنفي عن نفسي وشعبي صفة الجبن والدليل على ذلك أن هذا الشعب إن قوتل فهو شجاع لدرجة الانتحار وإن سولم فهو كريم لدرجة (العوارة).. ولكن في المقابل فإننا شعب طيب واجتماعي (زيادة عن اللزوم) ونحب السترة حتى وإن كان فيها ضررنا.
ما دفعني لإثبات كل هذه الصفات عن نفسي وشعبي هو أنني أبلغ من العمر نيفاً وثلاثين سنة وأمارس السياسة منذ أن كنت في نهاية المرحلة المتوسطة.. ولكني حتى هذه اللحظة لم أشعر ولا للحظة واحدة أنني أعلم حقيقة تاريخنا منذ الاستقلال وحتى الحقبة التي نعيشها.. فالاستقلال والاستعمار وما بينهما حكاوي لم نسمعها بعد.. وبطبيعة الحال ليست هي حكاوي رفع العلم أو إعلان الاستقلال من داخل البرلمان، ثم ما تبع الاستقلال من دورات حكم يلعن آخرها أولها و كنس إرث الدولة من جذوره كل بضعة سنوات ومن المؤكد أن صاحب الصوت الأعلى في كل دورة هو الذي ستكون روايته مسموعة. وما يؤكد ما أرمي إليه من معنى أن الصحف تكتب.. منذ أن عرفت أن هناك شيئاً يسمى صحف.. تكتب عن أحداث يوليو 1971، وحتى هذه اللحظة لا نعلم.. على وجه الدقة.. عمّن هو الذي أرتكب مجزرة بيت الضيافة.. فكل من يحكي يضع نفسه في مكان البطولة وينفي عن نفسه ما يشين.
ما استفزني لكتابة هذه الكلمات حدثان..أولهما فراغي للتو من قراءة كتاب للدكتور التجاني عبد القادر بعنوان نزاع الإسلاميين في السودان.. ورأيته في هذا الكتاب، تناول الموضوع بحيادية كبيرة وحاول الاعتماد على الحقائق الموثقة ثم بنى عليها استنتاجاته.. لاحظ أنني لم أقل آراءه.. إذ أنه أقر بأن تلك الاستنتاجات قابلة للتعديل في حالة اثبات عكسها بالوثائق أو البراهين.. نختلف معه أو نتفق.. ولكننا نقر بصواب المنهج.. منهج المراجعة والمكاشفة وقول الحقيقة ولو على النفس ***64831;يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا***64830;.(135) سورة النساء
***64831;يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ***64830;.(8) سورة المائدة
ثم تزامنت نهايتي من الكتاب مع الحلقة الراتبة لهيكل على قناة الجزيرة مساء كل خميس.. وبصراحة.. استمعت لها هذه المرة بطريقة مختلفة..
لم أهتم بما يذكر من أحداث وشخصيات بقدر إهتمامي بالصراحة والوثائق والحيادية في التناول.. فهو يريد أن يقول الحقيقة.. وبالرغم من أنه كان يتحفظ بعض الشيء عند ذكر الأحياء.. وذلك شيء طبيعي.. ويتحدث بشيء من الرمزية حين حديثه عمّا يشين في بعض الشخصيات التي ذهبت إلى ربها.. لا بأس.. ولكنك لا تشعر أبداً أنه يحاول أن يكرس لمفهوم أو يدافع عن فئة سوى الحقيقة.
واحداً من الأسباب التي تمنع كبراؤنا عن أن يحدثوننا عن تاريخهم وتاريخنا هو ما ذكرته في بداية مقالي هذا عن الطيبة والمداراة لدرجة الضرر تلك التي ستوردنا المهالك يوماً، ثم سبب آخر .. وهو مهم.. هو أن تاريخنا منذ 1964 حتى الآن.. يكاد يكون كل أبطاله مازالوا على مسرح السياسة والأحداث لم تمت.. أو تقال.. أو تعتزل العمل العام على أسوأ الفروض.. وذلك أمر غريب.. والغرابة فيه أن الحديث عن تاريخ هذا البلد يعني الحديث عن هؤلاء الأشخاص.. فهم التاريخ.. ومحاكمة التاريخ تعني ببساطة محاكمة هذه الشخصيات (المحدودة).. وتلك المحكمة.. أقصد محكمة التاريخ بالطبع.. إن قُدر لها الانعقاد فستحيل هؤلاء البشر عراة أمام شعوبهم ينظرون لحسناتهم وعوراتهم دونما تزييف أو تجميل..و حينها فقط نكون قد وضعنا أولى خطواتنا على درب الاصلاح.. اصلاح الذات.
والله العظيم نتوق لمن يحدثنا.. لا لنشمت في فلان أو فلانة ولكن فقط لنفهم ما يدور حولنا إن أريد لنا أن نفهم.. ثم نساهم بصورة إيجابية في مستقبل هذا البلد والذي أرى أنفسنا فيه حتى الآن أدوات كرقع الشطرنج.. نعم تسد ثغرة.. ولكنك لا تستطيع أن تحدد اتجاه الحركة من تلقاء نفسك لأن تلك الحركة تحتاج إلى العلم والمعلومة وهو ما ظل محجوباً عنا على الدوام.
من يحدثنا بصدق بارك الله فيكم.. من.[/justify]
مهما صعب درب الوصول... انا لازم ..لازم..لازم اصل
|