يستعد الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب لاستلام زمام السلطة، فهو يستخدم العديد من نفس التكتيكات التي استخدمها خلال الحملة الانتخابية، من خلال إعطاء الأولوية للقاءات الجماهيرية على حساب المؤتمرات الصحافية، والمشاركة في العرض الكوميدي الأميركي «ساترداي نايت لايف» بدلاً من التركيز على الأزمة المتصاعدة في سوريا.
وفي الوقت نفسه، فهو يحاول تغيير الدبلوماسية الأميركية، وربما أبرزها تلقي مكالمات هاتفية من الرئيس الفلبيني رودريغو دوتيرتي والرئيسة التايوانية تساي إنغ ون. وبدلاً من السماح لترامب بصدم العالم مرة أخرى، يجب علينا معرفة طريقة تفكيره.
يجب على كل شخص يتعامل مع ترامب أن يعتبره الأمير الميكافيلي الأخير، الذي يعمل من أجل المصلحة الذاتية الصرفة. وفقاً لميكافيللي، «نستمد الرأي الأول الذي نكونه عن الأمير وعن طريقة تفكيره، من خلال مراقبة الرجال المحيطين به». ولتحديد خطط ترامب، ينبغي أن نبدأ بتفحص التعيينات التي قام بها.
وبسرعة، تُظهر تعيينات ترامب لمسؤولين في الأمن الوطني، والدفاع، والأوضاع السياسة الخارجية، نمطاً جلياً: كلهم متخصصون في الشرق الأوسط وروسيا. ويبدو أن ترامب يخطط لعكس نهج أسلافه الذي كان يهدف إلى عزل روسيا. بدلاً من ذلك، سوف يستخدم روسيا لمساعدته في إدارة منطقة الشرق الأوسط.
بالنسبة لترامب، الذي يُعتبر رجل الأعمال الأول، فالسماح للمنافس بتولي أمور أعدائه يبدو جيداً لتحقيق النجاح. (وذلك يؤكد نيته المعلنة حول إجبار حلفاء الولايات المتحدة بدفع ثمن حمايتها لهم).
ويبدو أن ترامب يتعاطف مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي تعتقد معظم أجهزة الاستخبارات الأميركية أنه تدخل في الانتخابات لمساعدة ترامب، لكن أسباب ــ ونتائج ــ محور ترامب تجاه روسيا تتجاوز منطقة الشرق الأوسط.
كل من الولايات المتحدة وروسيا تستفيد من ارتفاع أسعار النفط، في حين أن دولاً مثل الصين واليابان تعاني من ذلك. يمكن لروسيا أيضاً أن تضغط جغرافياً على الصين – بل وبقية دول آسيا. (لاحظ مدى سرعة تقارب اليابان والصين).
وأخيراً، قد تكون روسيا القوة التي تحفز أوروبا لتحمل المزيد من المسؤولية للدفاع عن نفسها، وستنعكس سياسات ترامب الاقتصادية على جميع أنحاء العالم، بما في ذلك آسيا. كما بدأ الكشف عن تعيينات أعضاء في حكومته.
اختار ترامب ثلاثة موظفين سابقين في شركة غولدمان ساكس لقيادة فريقه الاقتصادي – نعم، نفس غولدمان ساكس التي قام ترامب بإدانتها أثناء الحملة الانتخابية. إن وعده «بتجفيف المستنقع» من المحسوبية والفساد، كان مجرد تكتيك، وليس جدياً.
كما يشير وعده إلى أن رفع القيود وخفض الضرائب سيكونان من بين الوعود الانتخابية القليلة التي سيفي بها ترامب. فالسياسات الرامية إلى تقييد البنوك الكبرى – وأبرزها، تشريع الإصلاح المالي «دود- فرانك» في 2010 – من غير المرجح أن تُطبق خلال رئاسة ترامب.
في الواقع، ترامب وفريقه لا يرون مشكلة في البنوك الكبرى التي يستحيل فشلها. على العكس من ذلك، فهم يطبقون نفس المنطق في ميزانية الولايات المتحدة. مع العلم أن العالم ليس لديه خيار سوى مواصلة إقراض الولايات المتحدة، حيث سيرفع ترامب ببساطة عجز وديون الولايات المتحدة، عن طريق خفض الضرائب والإنفاق على البنية التحتية.
على عكس ادعاءات بعض المتشائمين، فقد تنجح سياسات ترامب الاقتصادية حقاً. مع استثمار كافٍ في البنية التحتية – وبمساعدة أسعار الفائدة الحقيقية السلبية – قد ينجح ترامب في إنعاش نمو الإنتاجية والناتج المحلي الإجمالي بما يكفي للحد من عبء ديون أميركا من حيث القيمة الحقيقية.
إن مفتاح النجاح يكمن في التحكم في ارتفاع قيمة الدولار الأميركي، والتي وصلت إلى أعلى مستوياتها خلال 13 عاماً منذ الانتخابات.
الدولار المرتفع ليس مفيداً لآسيا أيضاً. عندما يكون الدولار منخفضاً، تقوم الشركات متعددة الجنسيات بالاقتراض بالدولار لتمويل أعمالها في الأسواق الناشئة، والتي تدر عوائد أعلى في العملة المحلية.
فالحمل الإيجابي – أعلى العائدات بالعملة المحلية وانخفاض تكاليف الدولار الأميركي – سيفيد الجميع، وخصوصاً الأسواق الناشئة، التي تستفيد من ارتفاع الصادرات وتدفقات رأس المال المتزايدة.
لكن عندما يشرع الدولار في الارتفاع، يبدأ العد العكسي. العملة الأجنبية والائتمان المنتشرَين بشكل واسع في عملات الأسواق الناشئة، يجعلان التجارة مكلِفة. (يُصرف ما لا يقل عن 40٪ من التجارة المادية العالمية بالدولار الأميركي، والتي تُمثل 60٪ على الأقل من التدفقات المالية).
في نهاية المطاف، قد تبدأ الأسواق الناشئة بالاستثمار بالدولار، لأن نسبة التقدير أعلى من ربح التجارة، مما يزيد من ارتفاع قيمة الدولار. ويعزز تصاعد التوترات الجيوسياسية هذه الدوامة، كما يُمثل الدولار الاستقرار، خصوصاً في وقت يشير فيه المجلس الاحتياطي الاتحادي الأميركي إلى تسوية أسرع لأسعار الفائدة.
كما هو الحال تعاني تقريباً جميع العملات الآسيوية، بما فيها الين والرنمينبي، من الإكراه، في الواقع، قد اتخذ كل من بنك اليابان المركزي وبنك الشعب الصيني خطوات في محاولة للحد من هذا الخفض، مع تأثير ضئيل. وتعاني الاقتصادات الناشئة على نطاق أوسع من انخفاض أسعار السلع الأساسية، والتي يجري كبحها بسبب انخفاض الطلب. إلا أن استمرار صعود الدولار سيزيد من حدة هذه المشاكل.
لكن، يُدرك ترامب وزملاؤه اليمينيون، أنه عندما تصبح الأسواق الناشئة في مأزق، يمكن للبنك الاحتياطي الفيدرالي وحده توفير السيولة لتخفيف الضغط. وبعبارة أخرى، في هذه الحالة أيضاً، يعمل ترامب من موقع قوة. نحن في حاجة إلى تجنب التقليل من شأنه – وإلا سوف نتحمل جميعاً الأضرار الجانبية.
* أندرو شنغ هو زميل متميز في المعهد العالمي لآسيا في جامعة هونغ كونغ، وعضو في المجلس الاستشاري للبرنامج بشأن التمويل المستدام.
شياو جنغ، رئيس مؤسسة هونغ كونغ للتمويل الدولي، وهو أستاذ في جامعة هونغ كونغ.
مقالات مشابهة
هل دخل الإسلام السودان بحد السيف؟
بعد 60 عامًا.. هل شرع الاتحاد الأوروبي في تشكيل جيشه؟
في العالم إسلامان