حبيب الله التوم نمر.. نبع من الماضي يتدفق في الحاضر
بقلم : الرشيد حبيب الله التوم
كعهد الكبار دوماً، حنين لا ينقطع إلي الماضي و ذكريات تدور دوماً في خلايا اللاوعي و إن سقط شئ منها نهائياً أو في تسلسلها أو تدرجها، إنما يكون ذلك بفعل الزمان ، إلا أنها تبقي مراجع لأجيال الحاضر و هروب للكبار من تراجيديا الأن و الذين يتشبثون بما فات عند حياتهم الأولي حيث الأصل الثابت لديهم، لا يتبدل و لا يتحور، و تأففهم من كثير مما يدور الأن بعد أن تغيرت معطيات الحياة.
ما أن جلست إليه، إلا و حلق بي بعيداً في سماوات من الذكريات لا يتعمدها، لكن المتاح من وسائل إعلام و حوارات ساسة و قضايا مجتمع و إقتصاد و دين و فن و رياضة، يجعل عنده من كل حدث حديث و ذكري.
نجلس، فتكون السياسة و الرياضة سيدتا الموقف في مضابط (الونسة) بجانب شأن المجتمع و هم الحياة ، لكن الرحيل و الإستماع إلي ما كل تغني به الراحل عثمان حسين لا ينقطعا من المكان و الزمان و لا يبارحا حنيناً يسُوق كلٍ منا للأخر، إلا أننا نجد عند المُلهمة، إنصاف و عازف الأوتار (من روائع الراحل التاج مصطفي) أنساً أخر.. لكن عثمان الشفيع يرحل به إلي خور طقت و ذكريات (البان جديد) و (الحالم سبانا) و لماذا كتب الشاعر الراحل محمد عوض الكريم القرشي الأولي و من هو (الحالم) ذو الطرف الكحيل الذي دارت حوله (الشبهات) أنه ذلك و الذي (بهدل) العذاري و سبي أفئدة العاشقين حينها..؟ و قبل أن يكمل الإجترار، تقفز ذاكرته إلي ذات المكان حيث خلانه في خورطقت، الشاعر البروفيسور السر دوليب، الشاعر الحسين الحسن، له الرحمة الفريق الراحل إبراهيم أحمد عبد الكريم ، الفريق عبد الماجد حامد خليل، أبو القاسم هاشم و كمال حامد شداد و أخرين كُثر سمقوا بعلمهم و أدائهم الحياتي الخلاق في قيادة البلاد و العباد.. و ننصرف لنعود للتحاور حول كلمة (إنجليزية) تتعدد معانيها و إستعصي فهمها علي إحداهم أو إحدانا و كيف أن هذه اللغة الأخاذة يعاني منهجها الأمرين في مؤسسات التعليم الرسمية و الخاصة و كيف يتطلع أجيال اليوم للظفر بمعرفة لغة العصر هذه.
أو نعود للتعقيب علي مباراة لكرة القدم كان طرفها المريخ الأحمر المعشوق الملهم و الفاتن الفنان و ما تمت كتابته ذلك اليوم في صحف السياسية و الرياضة أو ما أفاد به أحدهم عند سهرة تلفزيونية وجدنا فيها أنفسنا مع خوالد في الكلم و التحليل و النقاش و إفتتاننا بما تم تقديمه من رائعة أو روائع لحسن عطية (حبيبي ناوي الرحيل، الكم حننوك، محبوبي لاقاني،سألتو عن فؤادي،هل تدري يا نعسان، يا ماري عند الأصيل، خداري…إلخ) أو إحدي (فاتنات) عبد العزيز محمد داؤد (أجراس المعبد، عودة قلب، أنة المجروح) و غيرهن كُثر .
إلا أنه حريص أن تكون العبادة مكان وقار الخالق سبحانه و تعالي و جبروته.. و هنا أذكر يوم أن هددني بالطرد من المنزل إذا لم أنتظم في العبادات و أولها الصلاة و هو حينها ذلك المربي المهاب ذو الصولجان العارم في المنزل و المدرسة و الإدارات التعليمية المختلفة و الشارع و كُل المجتمع.. فقدم لي أجمل (وعيد) أسمعه من بشر في حياتي.. فقد كان و لا زال شجرا، ثمرأ.. ً و ظلاً.. فعن أية (أبِ) أزحف بيراعي مطأطئا رأسي لأن المقام هنا مقام مهابة و إجلال و عند أية (حبيب) بالإسم و المكنون الذاتي للشخصية، يطول الوقوف..؟؟
مرحباً بكم أحبتي مع خواطر.. ذكريات و إنطباعات والدي الأستاذ مربي الأجيال حبيب الله التوم نمر سليمان و التي أرادها كما سردها هو دون أن أتدخل فيها لغوياً أو بالتنقيح.
من مواليد منتصف ثلاثينات القرن الماضي بمدينة الحصاحيصا-الحي الشرقي حالياً (الحلة التحت سابقاً). والدي هو الراحل التوم نمر وقت أجهله و إستقر بالحصاحيصا و له ثلاثة أبناء هم نمر، أحمد سليمان و جدنا سليمان جعلي (ذيدابي) أتي للحصاحيصا من منطقة الذيداب في خرومي و عبد الله (لعوتة) و الأخير هاجر إلي مدينة الدويم و تزوج بها و إستقر هناك.
أبناء جدي نمر هم : والدي التوم نمر، أحمد نمر (والد خضر و الأخرين)، عبد الله نمر (له بنت واحدة (رابعة))، هجو نمر (والد الراحل حسن هجو و الأخرين)، مصطفي نمر (والد هاشم مصطفي ( هاشم كبير) و الأخرين)، موسي (والد عضو المنتدي عمر موسي (أبو رائد) و الأخرين)، و له من البنات أمنة (والدة الكاتب المسرحي حمدنا عبد القادر و الأخرين)، و فزارية (والدة المرحوم علي محمد إحيمر و الأخرين)، بتول (والدة أبناء دفع الله عوض الله) و مكة نمر و زوجها الفكي جاد الرب و أبناءها هم أحمد و عبد الله.
أما أبناء عمي أحمد خرومي هم : عبد القادر خرومي (والد المرحوم الزين و حمدنا الله و مبارك و حاجة السنة (زوجة المرحوم الشين)، سيدة و أسماء (زوجة بكش)، و صفية (والدة أبناء خلف الله))، و الجاك أحمد خرومي (والد أبو كساوي و جيلاني الجاك خرومي) و بناته هُن فاطمة (والدتي)، زينب (زوجة العمدة أحمد إحيمر الذي أطلق إسمه علي حي العمدة الحالي) و بُرة (والدة كلٍ من بلة أحمد، مختار أحمد، مصطفي بكش، المرحوم بابكر أحمد، المرحوم عبد القادر الشين، كلتوم و أمنة (والدة مولانا محمد أحمد سالم و أخوانه) . أما عمي عبد الله (لعوتة) هم سليمان و أخوانه المستقرين بالدويم.
والدتي هي فاطمة أحمد خرومي (إبنة عم أبي)، و لي من الأشقاء حسب الترتيب : نمر التوم نمر، أحمد التوم نمر، يوسف التوم نمر، القمر التوم نمر، و الراحل متوكل التوم نمر و لي شقيقة واحدة هي سعاد التوم نمر.
زوجتي هي أميرة خليل الأمين إحيمر و كان زواجي في العام 1967م و قد أحيا ليلة زفافي بالغناء الفنان كمال كيلا. أبنائي بالترتيب هم : الوليد (مدير أعمالي بمغسلة الوليد الحديثة)، الرشيد (مترجم بقاعدة الملك عبد العزيز البحرية-الإسطول الشرقي- وزارة الدفاع السعودية)، رشيدة (طبيبة أسنان بمستشفي أمدرمان التعليمي)، هالة (محاسبة بشركة مواد بناء بلاستيكية و طالبة زمالة محاسبين بريطانية)، صفاء (موظفة سابقة و ربة منزل حالياً)، هناء (خريجة لغة فرنسية-جامعة أمدرمان الأهلية) و أخر العنقود محمد (خريج جامعة أمدرمان الأهلية).
يواصل الأستاذ حبيب الله التوم الحديث و يقول : نشأت بالحي الشرقي و هو من أعرق أحياء الحصاحيصا بجانب الحي الأوسط و يمثلان مع بعض الحصاحيصا (القديمة) إن جاز لي التعبير، ثم من بعد ذلك أتي حي كريمة، حي العمدة و الحلة الجديدة و المايقوما علي ما أذكر. نشأنا في بيت العائلة الكبير (بيت الجد أحمد خرومي) و معنا أبناءه عبد القادر و الجاك و يقع الحي الشرقي كما هو معروف غرب طريق الأسفلت المؤدي إلي مدينة ود مدني و الذي تم إنشاءه في أواخر عهد الرئيس الراحل إبراهيم عبود، و شرق السكة حديد التي تم إنشاءها في عهد الإستعمار. و يحيط بالحي الشرقي من الناحية الشمالية أشجار (النيم) المعروفة ب(شجر الخور) الذي غرسه المستعمر الإنجليزي و كانت تقام به معظم المناسبات الإجتماعية من أفراح و أتراح حينها و هو الموقف الحالي لمواصلات الخرطوم ومدني. أما من الناحية الجنوبية للحي الشرقي، يوجد ما كان يعرف بالمركز (المحلية) حالياً و الذي شيده المصريون علي ما أذكر و كان به مكتب مفتش المركز و نوابه (المأمور و نائب المأمور) و يكونان سودانيي الجنسية بجانب المترجمين و المحاسبين و المهندسين و كبار موظفي الدولة في ذلك العهد. و كان هذا المركز يدير شئون المنطقة شمالاً حتي سوبا و جنوباً حتي ود مدني و هذه الرقعة تساوي محليتي الحصاحيصا و الكاملين حالياً.
كان والدي التوم نمر، له الرحمة، تاجر بسوق الحصاحيصا و له مطعم ملحق به مقهي بسوق الحصاحيصا بجانب إمتلاكه لعربة أجرة (تاكسي) يعمل بها ما بين الحصاحيصا، طابت و المحيريبا.
و كان الحي الشرقي حينذاك يعتبر قبيلة واحدة لا يمكنك التفريق بين منزل و الأخر.. كانت البيوت عبارة عن (حيشان) واسعة تسع للجميع و علي ما أذكر حوش حمدنا الله عثمان، حوش أحمد خرومي، حوش حسين عثمان، حوش أحمد عوض الله، حوش محمد عيسي، حوش أحمد بابكر، حوش الخليفة حسن عبد الرحمن، حوش عباس محمد حمد، حوش الوداعة عثمان، حوش بلة أحمد بابكر، حوش سليمان أحمد أفندي، حوش الخليفة الحسن، حوش أل الباجوري، حوش أحمد سالم العوض،حوش الخضر بابكر،حوش الطاهر حسن عثمان،حوش العمدة الأمين إحيمر،حوش عوض الله و حوش سنهوري و غيرهم. كنا نتجول في كل هذه (الحيشان) بكل براءة و عفوية وفرتهم الحياة أنذاك و نقضي حوائج البيوت (المراسيل) و الكل من الكبار في محل الأب خاصة عمي عبد الله نمر الذي كان يثق فيه جميع ساكني الحي و كان مُهاباً، و عندما يغلط أحد الصغار منا، يتم تهديده بأخذه له و كان له (سير) معروف للضرب و التخويف و لا يسخط أحد من الأباء و الأمهات من هذا الوضع و هو الذي يلجأون إليه في كافة شئونهم.
أذكر من أصدقاء الطفولة و الصبا الباكر : يوسف الخضر، حبيب الله أحمد عوض الله، إبراهيم خليل أبو سيف، محمود أحمد الأمين إحيمر، الراحل و صديق العمر الأستاذ صديق حسين عثمان و مصطفي بكش و أخرين. كنا نسبح في البحر (النيل الأزرق) غالبية شهور السنة و نغسل ملابسنا هناك. كانت السكة حديد مصدر رزق و كان الكبار من شباب الحي يبيعون الشاي و السجائر و (جبن) القهوة بها.
إلتحقت بالأولية مع بداية أربعينيات القرن الماضي و كان موقع المدرسة الأولية الوحيدة حينها بموقع (التأمين الصحي الحالي) و كان هنا (الشفخانة) الوحيدة التي تدار بواسطة مساعد طبي، ثم إنتقلنا بعد فيضان 1946م من مباني المدرسة إلي منزل نائب المفتش الإنجليزي (جنوب المحلية الحالية)، ثم أكملت السنة الرابعة الأولية بمدرسة الحصاحيصا الغربية الإبتدائية بنين عندما تم إفتتاحها و هي التي يطل عليها منزلي حالياً من الناحية الجنوبية و التي تسمي حاليا (مدرسة البخاري للأساس). و من زملاء الدراسة حينها أذكر يوسف الخضر، الريح عمر مناع و البلال الفكي و أخرين.
إنتقلت لدراسة المرحلة المتوسطة بالكاملين في العام 1947م، حيث لم يكن هناك مدارس متوسطة بالحصاحيصا و من دفعتي من أبناء الحصاحيصا كان عباس أحمد الأمين إحيمر و المرحومين الزين عبد القادر خرومي و عبد الله الأمين إحيمر. و بعد إكمال أربع سنوات، إنتقلت لدراسة المرحلة الثانوية العليا بمدرسة خور طقت الثانوية التي تم إنشاؤها في العام 1950م، حيث كان هناك ثلاث مدارس ثانوية بالسودان كما هو معروف و هي (خور طقت)، (وادي سيدنا) و (حنتوب) و كان من المفترض أن يتم قبول أبناء الجزيرة بمدرسة حنتوب، و بما أن هذه الثلاثة مدارس قومية، كان القبول إليها يتم علي مستوي السودان كما نظام القبول للتعليم العالي حالياً. و من أغرب الصدف أنه قبل ظهور نتيجة القبول، كان لدي إحساس بأنه سوف يتم قبولي بمدرسة خور طقت و بالفعل كان ذلك.
و كان المقبولون بمدرسة خور طقت من الجزيرة قليلون من مدارس رفاعة و الكاملين و ود مدني و كوستي.
كان السفر لخور طقت (التي تقع بالقرب من الأبيض) بقطار خاص يبتدئ من الخرطوم بدرجاته المختلفة للمعلمين و الطلاب و تكون الرحلة شيقة إلي محطة الأبيض و منها بالعربات إلي المدرسة. و قولي أن الرحلة تكون شيقة نسبة لأننا كنا نستمتع فيها باللعب و الغناء و السمر.
كنت أنا من الدفعة الثالثة المقبولة بخور طقت. كان هناك بالمدرسة داخليات للطلبة و مساكن للمعلمين و العُمال. كان عدد داخليات الطلاب أنذاك عشرة داخليات أذكر منها أبوسن، ود دوليب،دينار،زاكي الدين، ود ذائد و غيرها و كان هناك مفتش سكن بكل داخلية و معه (Tutor). كنت أسكن بداخلية أبو سن و حسب ما أذكر أن المدرسة بها خمسة أنهُر.
و من الدفعة الدراسية أذكر المرحوم صديقي الشخصي الأستاذ الأمين إبراهيم الإمام، عبد الله يعقوب أبشر، الدكتور عبد الله الحاج موسي، أبو القاسم هاشم (عضو مجلس قيادة ثورة مايو المجيدة و الحاكم الأسبق للإقليم الأوسط)، محمود شلال، الشاعر الحسين الحسن له الرحمة، الشاعر الفريق إبراهيم أحمد عبد الكريم، له الرحمة. و من الدفعة التي أمامنا، الشاعر البروفيسور السر دوليب، الفريق أول عبد الماجد حامد خليل، الفريق عبد الرحمن محمد سوار الذهب، الفاتح بشارة (سكرتير مكتب الفريق عبود)، الطيب تاج الدين يوسف المقدم و كمال حامد شداد الذي إنتقل لمدرسة حنتوب و أكمل المرحلة الثانوية هناك.
كان ذلك في عهد الإستعمار و كان أول ناظر لخور طقت هو الأستاذ النصري حمزة من أبناء (الكوة) بالنيل الأبيض ونائبه الأستاذ/ عبد الحليم علي طه وأتي من بعده الأستاذ/ محمد أحمد عبد القادر. ، كما كان معظم المعلمين من الإنجليز و تدرس جميع المواد باللغة الإنجليزية ما عدا التربية الإسلامية و اللغة العربية، طبعاً. أذكر من المعلمين الذين تتلمذنا علي أيديهم، الأستاذ عبد الله الجنيد، و قد كان مدرس مادة الفنون و مدرب كرة السلة و له الأن كلية الخرطوم التطبيقية بحي الطائف بالخرطوم، الأستاذ خالد موسي و هو مدرس مادة الرياضيات، الطيب شبيكة، مدرس اللغة العربية، عبد العظيم التجاني و هو مدرس العلوم و معلم اللغة الإنجليزية (المستر جون) و هو بريطاني الجنسية و كان بارعاً في تدريس اللغة، مما جعلنا نبرع فيها أيضاً بفضل الله و جهده معنا.
الحياة في خور طقت كلها نشاط مبرمج بالطبع الحصص ، وحصة الجمباز الصباحي والرياضة العصرية ( كل أنواع الرياضة) والمذاكرة في المساء. كان بالمدرسة أنشطة ثقافية وفنية – المسرح – المحاضرات – والجمعيات المختلفة أدبية وفنية والمكتبة زاخرة بالكتب القيمة.
كان هناك نشاط سياسي كبير بخور طقت و كان الأخوان المسلمون و الحزب الشيوعي يهتفون ضد الإستعمار بعد صلاة العشاء في الميادين و نتيجة لذلك يتم إغلاق المدرسة و تسفير الطلاب إلي ذويهم في مختلف القري و المدائن و يتم ذلك بتعليمات صارمة من إدارة المدرسة و يعودون بعد فترة.
كنت من ضمن الطلاب النشطاء في نشاط كرة القدم و كان هناك منافسات بين الداخليات و كنت ألعب ضمن الفريق الأول للداخلية في وظيفة (مهاجم) و كانت داخليتنا (أبو سن) تكسب جميع المباريات. و في مرة من المرات، إنهزمنا من داخلية (زاكي الدين). إنهزمنا يومها لأن (الإنسايد اليمين) الفريق أول عبد الماجد حامد خليل، لم يقوم بتمويلي بالكرة كما كان يفعل دوماً في سابق المباريات و لم يكن يومها في مزاجه و مهارته الكروية المعهودة، فشح عطاءه داخل الملعب و بالتالي عطائي. و كانت هذه الهزيمة مثار الدهشة و الصدمة لطلاب داخليتنا حيث أن داخلية زاكي الدين لم يكن بها اللاعبون المهرة في كرة القدم..!! أذكر أنه غضب مني ال (Tutor) في تلك المباراة كون أنني لم أحرز هدفاً و ثار في وجهي غاضباً، فبدأت أتمرد علي لعب كرة القدم، فإشتكاني لمدير المدرسة (النصري حمزة) الذي أوضح لي أن من لم يلعب بالرياضة يعتبر كمن أضرب عن الدراسة و مصيره الفصل من المدرسة، فإعتذرت له و إتجهت للعب كرة السلة و التي ساعدني طول قامتي أن أبرع في هذا النشاط و كنت أمثل مدرسة خور طقت في المنافسات القومية بين المدارس الثانوية الحكومية الثلاث (طقت، حنتوب و وادي سيدنا).
كما كان بخور طقت مسرح كبير تقام به الأمسيات الأدبية التي تجمع ما بين التمثيل و الغناء و الشعر. كان النشاط الأدبي يقوده الفريق الراحل إبراهيم أحمد عبد الكريم و الذي درس معي بفصل واحد و أحد أصدقائي الشخصيين بجانب الشاعر الراحل الحسين الحسن الذي تغني له الراحل عثمان الشفيع و هو حينذاك طالب بخور طقت، بجانب الأستاذ البروفيسور السر دوليب الذي برع و إشتهر أكثر بنشاطه في كرة القدم حينها . و كانت صدفة مذهلة أن يلتقي الفريق إبراهيم عبد الكريم و الأستاذ الحسين الحسن في البرنامج الشهير (فرسان في الميدان) الذي كان يقدمه الأستاذ حمدي بدر الدين، أمد الله في أيامه و غفر لأصدقائي الراحلين.
علاقتي مع الفن بدأت في العام 1947م، حيث كنت حينها طالباً بمدرسة الكاملين المتوسطة بنين, و كانت الحصاحيصا أنذاك مركز للثقافة والفن و كان الرائد في ذلك لوكاندة عبد الكريم علي موسي، له الرحمة.. حيث كان الصفوة من أهالي الحصاحيصا يتجمعون هناك أمثال حاج علي و حمدنا الله عبد القادر خرومي و أخرون يلعبون الورق(الكوشتينه).. كان حينها صلاح عبد الكريم علي موسي(له الرحمة) صديقاً للفن و الفنانين وكانت هذه اللوكاندة مسرح الحصاحيصا الوحيد حيث يحط بها عمالقة الفن السوداني أنذاك،، حيث تغني بها مراراً إبراهيم الكاشف، عثمان الشفيع، عائشة الفلاتية و عثمان حسين و أخرين، إلا أنني كنت أميل نحو عثمان حسين أكثر من غيره و من حينها تمدد ذلك التعلق بأبو عفان..
لم تكن حينها توجد أجهزة راديو كافيه بمدينة الحصاحيصا، حيث كٌنا نتجمع في هذه اللوكاندة و نجمع(sharing) أي مساهمات مادية و من ثم نرسل للإذاعة السودانية (أم درمان) حيث نطلب أغنية(الزيارة) للراحل إبراهيم الكاشف.. وكنا أيضاً نطلب أغنيات عثمان حسين و عثمان الشفيع و كلُ حسب ما يهوي و إن كان كل الجمع حينها علي قلب رجل واحد؟؟؟
في العام 1951م، تم قبولي بمدرسة خور طقت الثانوية و فيها إنتقل تعلقي بأبو عفان من (المحلية) إلي( القومية).. كانت علاقاتنا و صداقاتنا الشخصية يحددها الإنتماء الرياضي و الفني.. كنت أكثر ميلاً لمن يعشقون المريخ، الأحمر الوهاج، و عثمان حسين.. شاطرني في ذلك صديقي إلي يومي هذا الشاعر الأستاذ (السر دوليب) أمد الله في أيامه و أيامي..كنا نجلس كل يوم جمعه جميع طلاب خور طقت الثانوية لنستمع لبرنامج (ما يطلبه المستمعون).. و كانت أغلبية الأغاني المقدمة في البرنامج للفنان الراحل أحمد المصطفي.. وكنا فرقاً فنيه ثلاثة تتباري في السماع و الترنم بأغنيات أولئك السوامق.. فريق يهوي أحمد المصطفي، أخر يهوي حسن عطية و نحن مجموعة عثمان حسين برئاسة الشاعر السر دوليب، أنا، الشاعر الحسين الحسن، الراحل إبراهيم أحمد عبد الكريم (ملك كل الفنون إلي أن رحل، له الرحمة)، الأخ الأستاذ عبد الله يعقوب و أخرون وكان يوم الجمعة يذداد تيمنا بالنسبة لناً عندما يأتي إلينا البرنامج ب(الفراش الحائر) أو (كيف لا أعشق جمالك) و هُن كانتا الأكثر شعبيه من بين تلك الحسناوات من إبداعات أبو عفان حينها و غيرهن أحلي و أزهر، إلا أن قلب العاشق يعشق معشوقه و يصطفيه من بين الخلق!!
لا أزال أجلس أستمع لسلطان الفن الراحل عثمان حسين، و في القلب ذكري و شجن لا ينقطعا أبد الدهر له و لأصدقائي إلي الأن.. و كم تسقط مني دموع عفوية عندما يشدو هذا الشادي بلحنه أو يمُر طيف أولئك الحبان بذاكرتي..
تخرجت من خور طقت في العام 1955م و لم أتمكن من دخول الجامعة لأسباب مختلفة و كانت هناك فرص عمل أخري مختلفة لا تقل مستوي عن الجامعة و تقدمت لكلية البوليس (الشرطة) و أكملت جميع مراحل المعاينات حتي أخرها و كنت قاب قوسين أو أدني من القبول و لكن حدثت أحداث الجنوب في نفس العام (1955م)، في مدينة توريت. كان وقتها السيد إسماعيل الأزهري رئيساً لمجلس الوزراء و وزيراً للداخلية، فألغي إعتمادات القبول لكلية الشرطة و ذلك لتعزيز القوات المسلحة بالميزانية في ذلك الوقت.
و في نفس العام، تقدمت للقبول بالكلية الحربية و وصلت أيضاً لمراحلها النهائية و كان من المفترض أن أقابل القائد العام، و لكن العدد المطلوب كان أكثر بحوالي ستة أو سبعة أفراد، و حدثت مشكلة في تفادي هذا العدد، حيث لجئوا إلي شهادات الميلاد و بالتالي تم إبعاد الأصغر عمراً و قد كنت من ضمنهم و كتب لي المسئولين بالقيادة العامة للقوات المسلحة خطاب باللغة الإنجليزية يفيد بأسباب عدم قبولنا بالقوات المسلحة، و أذكر أن أخر جملة فيه كانت كالتالي:
You must apply next year to have your chance.
و بعد ذلك قدمت للعمل بوزارة التربية و التعليم التي كانت تعرف بوزارة المعارف و تم قبولي كمعلم بالمرحلة المتوسطة و توجيهي للعمل بمدرسة أبو عُشر الغربية المتوسطة بنين و التي عُدت لها لاحقاً ك(ناظر) و هو الإسم السابق لمدير، حيث أنني لم أمكث بها طويلاً عند بداية تعييني في مهنة التربية و التعليم. و أذكر من أبناء الحصاحيصا الذين درستهم حينها بأبو عشر، الطيب الحاج علي، اللواء سجون عثمان عوض الله محمد نور و أخيه المهندس عبد الحميد عوض الله.
كما ذكرت أعلاه، لم أمكث طويلاً بأبو عشر و تم نقلي إلي مدرسة أمدرمان الصناعية المتوسطة بأبو روف والتي ذهبت إليها في 1/1/1956م عند يوم الإستقلال الأول و رفع العلم السوداني في مشهد كنت أحد حضور مراسمه. كانت لحظات لا يغشاها النسيان و الزعيم الراحل السيد إسماعيل الأزهري يرفع العلم السوداني و معه السيد محمد أحمد المحجوب بحضور السيدين عبد الرحمن المهدي و علي الميرغني.
عملت ثلاث سنوات بمدرسة أمدرمان الصناعية المتوسطة بأبو روف. عمل معي بها من المعلمين جعفر دياب (مدير المدرسة)، علي أحمد طويل، صالح محمد خليل و لاعب المريخ السابق برعي أحمد البشير (القانون). و في نهاية عام 1958م، تم إلحاقي بكلية المعلمين الوسطي بمعهد بخت الرضا بغرض التدريب و التأهيل. تلقيت تعليماً أكاديمياً في مواد الرياضيات، العلوم و اللغة الإنجليزية. و بعد الفراغ من التعليم الأكاديمي، تم تدريبنا علي طرائق التدريس، ثم أصبحت معلماً للثلاث مواد المذكورة أعلاه.
بعد ذلك، تم نقلي للعمل بمدرسة أبو حمد الوسطي بالمديرية الشمالية في العام 1960م و مكثت فيها عاماً دراسياً واحداً، ثم تم نقلي إلي مدرسة الكاملين الحكومية المتوسطة و هي نفس المدرسة التي درست فيها عندما كنت طالباً و كانت حينذاك مدرسة أهلية و بقيت فيها حتي العام 1964م و من ثم تم نقلي إلي مدينة راجا بجنوب السودان.
الطريف في الأمر أنه كان يعمل معي معلم بنفس المدرسة تم نقله هو قبل مني إلي راجا، فقمت بنصحه أن لا يذهب إلي هناك و أحضرت له خريطة السودان و أوضحت له مدي بعدها و عدد الكيلومترات الواجب عليه سفرها و وجهته أن يحضر شهادة مرضية لوزارة المعارف كي تثنيهم عن نقله. بالفعل إتضح لي أن زميلي مريض نفسياً و أحضر شهادة مرضية من (بعشر) للأمراض النفسية، فتم إعفاءه من النقل و تم نقلي أنا بدلاً عنه بعد أن تسلمت تلغراف يفيد بذلك، حيث كانت مفاجأة لي..!!
ذهبت إلي راجا في مطلع العام 1964م و كان ذلك بداية تمرد قبيلة (الدينكا) الذين يتمركزون في بحر الغزال و لم يشتركوا في تمرد 1955م بالجنوب. بدأت قبيلة الدينكا في التمرد بعد أن أفرج الفريق عبود عن سجناء تمرد عام 55م الذين كانوا يستفزون الدينكا بعدم إشتراكهم في التمرد الأول.. في أثناء وجودي في مدينة راجا التي تبعد 150 ميل عن مدينة واو، تم الإستيلاء علي مركز البوليس في الأخيرة و عندما حاول المتمردين (الدينكا) الزحف للإستيلاء علي رئاسة القوات المسلحة، كانت القوات المسلحة في أهب إستعدادها و قضت عليهم. و نحن كنا نعيش في أمان في مدينة راجا للحد البعيد نسبة لأن معظم السكان في هذه المدينة كانوا مسلمين من دار فور و أهم هذه القبائل هي قبيلة (أل فرتاق) القيادي البارز الأن في حزب المؤتمر الوطني. لم أمكث بمدينة راجا سوي عام دراسي واحد و تم نقلي بعدها إلي مدرسة الحصاحيصا المتوسطة مع ثورة أكتوبر في العام 1964م و كنت أدرس الفصل الرابع حينها مادتي الرياضيات و اللغة الإنجليزية و أذكر من ضمن الطلاب في ذلك الوقت مأمون يوسف حسن، جعفر قريقر، الدكتور عثمان عبد الوهاب المنصوري، عبد الكافي محمود علي طه و أخرين.
ثم نقلت بعدها لأفتح مدرسة جديدة متوسطة بأبي حراز (شرق ود مدني) و مكثت بها ثلاث سنوات، و كانت أخر دفعة تم قبولها عند تواجدي بالمدرسة تضم الأستاذ حسين خوجلي، الإعلامي المعروف.
ثم بعد ذلك، تم نقلي إلي مدرسة الحصاحيصا الأهلية بنات في العام 1967م و قد كان التعليم الأهلي حينها في قمة نشاطه الذهبي و الذي قام ببناء معظم المدارس المتوسطة بنين و بنات الموجودة الأن و التي تم تحويلها إلي مدارس مرحلة الأساس..!! كان هناك لجنة للتعليم الأهلي يترأسها الوداعة عثمان، له الرحمة، و الذي تم فتح أول مدرسة بنات أهلية في منزله في الحي الشرقي مُقابل المركز. و من ضمن الأعضاء في هذه اللجنة أذكر المرحوم يوسف حسن بابكر الذي صار رئيساً لهذه اللجنة بعد الوداعة عثمان، سكرتير اللجنة و الدينمو النشط و المحرك لها المرحوم المهندس علي عطا المولي، عبد السلام محمد عايد، حسن أحمد، محمد أحمد عبد اللطيف و شقيقه حسن عبد اللطيف، مصطفي صالح علي موسي، علي عيسي بشارة، مبارك حسن عثمان و شقيقه الطاهر حسن عثمان و أخرين، لهم الرحمة جميعاً.
كان يتصل بي المرحوم علي عطا المولي للإعداد للإجتماعات مساءً بمدرسة البنات و قد كنت مستشاراً لهذه اللجنة في ذلك الوقت عند تعيين أية معلم أو معلمة في هذه المدارس أو عند الشئون الفنية المتعلقة بالتعليم. و المدارس التي تم بناءها في ذلك الوقت هي مجمع المدارس، شمال حي العمدة و التي تحولت إلي حكومية لاحقاً، مدرسة الرحمة الثانوية بنات، مدرسة الحصاحيصا الثانوية القديمة بنين و مدرسة الحصاحيصا الثانوية الجديدة بنين أيضاً و مباني كلية التربية الحالية، و كما ذكرت أعلاه أن السيد علي عطا المولي كان هو الدينمو المحرك و العضو النشط في كل هذه الأعمال، لذا كنت أري أن يتم إطلاق إسمه علي إحدي هذه المؤسسات التعليمية تخليدا ًلإسمه و فضيل أعماله.
في العام 1970م، تم إنتدابي للعمل ثلاث سنوات كمعلم لغة إنجليزية بالمملكة العربية السعودية و قضيت هذه الفترة بالعاصمة السعودية، الرياض، و بعدها عدت للسودان و عملت كمدير لمدرسة سنجة الحكومية المتوسطة بنين لمدة عام دراسي واحد ثم، في خواتيم العام 1974م، تم نقلي للعمل كمدير إلي مدرسة أبو عشر المتوسطة الحكومية بنين التي تم تعييني فيها كمعلم للمرة الأولي في العام 1955م و عملت بها لمدة عامين دراسيين و من ثم تم نقلي في العام 1977م إلي مجمع مدارس الحصاحيصا المتوسطة بنين كمدير أيضاً و تتلمذ علي يدي عدد كبير من أبناء الحصاحيصا. كانت هذه أكثر فترة ثرة لي في مجال التعليم، حيث أري أنني خدمت فيها بلدتي الحصاحيصا سنوات طويلة مديراً ثم موجهاً ثم مشرف تربوي لمدارس مدينة الحصاحيصا و ريفها. أثناء العمل كمشرف تربوي ساعدت بالعون الذاتي في بناء نهرين لمدارس البنات المتوسطة و صيانة الداخليات لمجمع مدارس الأولاد المتوسطة أيضاً. أذكر من ضمن المعلمين الذين عملوا معي في تلك الفترة : عثمان أدم العوض (مطر)، المرحوم مبارك بله، المرحوم حبيب الله محمد حسين، جعفر أدم قريقر، يوسف محمد أرباب، المرحوم محجوب حسن (النظامي)، حسن العطاء، محمد عظيم، علي قنديل، علي سنهوري، عبد المنعم سيد أحمد و أخرون.
ثم ترقيت إلي الدرجة الثالثة و نقلت للعمل كمدير تعليم لمنطقة سنار التي كانت تشمل مدارسها شرق و غرب الخزان أو ما تعرف حالياً بولاية سنار و قضيت فيها زهاء العام و نصف. ثم تم نقلي إلي مدينة كسلا لأعمل كبير مشرفين لوزارة التربية و التعليم بالإقليم الشرقي الذي كان يشمل الثلاث ولايات الحالية (القضارف، كسلا و البحر الأحمر) و كنت مسئولاً عن جميع المعلمين في هذا الإقليم و قضيت فيها عام دراسي واحد. ثم تم نقلي إلي رئاسة تعليم ود مدني و أنذاك كانت تشمل ولاية سنار الحالية و ولايتي النيل الأبيض و الأزرق و الجزيرة، ثم نقلت إلي مدينة الحصاحيصا نائباً لمدير تعليم المرحلة المتوسطة ثم ترقيت إلي مدير التعليم بمنطقة الحصاحيصا (محلية الحصاحيصا الحالية) حتي تقاعدت للمعاش الإجباري عام 1955م.
في الفترات التي عملت فيها بالحصاحيصا، كنت عُضواً نشِطاً بالإتحاد الإشتراكي السوداني أبان حُكم ثورة مايو المجيدة مروراً بلجنة القسم بالحصاحيصا ثم مركزية مدني ثم ممثل للإقليم بالخرطوم لإنتخاب رئيس الإتحاد الإشتراكي الرئيس الأسبق جعفر محمد نميري له الرحمة.
و كنت في جوانب العمل العام الأخري، ، حسب موقعي كمشرف تربوي و مدير تعليم لمنطقة الحصاحيصا و أحد أبناء المدينة، عضواً في عدة لجان إدارية لغياب مجالس منتخبة في مجلس مدينة الحصاحيصا حينها و كنت عُضواً في مجلس المنطقة الذي كان يشمل المحلية الحالية. و أنتخبت كممثل لمدينة الحصاحيصا و عُضواً في مجلس الشعب التنفيذي برئاسة الإقليم الأوسط أنذاك بمدينة ود مدني و يشمل أعضاء هذا المجلس محلية الحصاحيصا الحالية، محلية البطانة، محلية الكاملين و محلية البطانة. و كنت عضواً في لجنة التجارة و التموين و النظام العام بمجلس الشعب التنفيذي و هو بمثابة المجلس التشريعي حالياً و تم إيفادي بواسطة هذا المجلس إلي جمهورية مصر العربية لعمل التوأمة بين مجلسي الجزيرة و الجيزة و كان ذلك برئاسة السيد عبد الرحيم محمود حاكم الإقليم الأوسط السابق، أمد الله في أيامه، و الذي يُعد من أفضل الحكام الذين مروا علي هذه الولاية. كما كنت عضواً في لجنة تطوير مدينة الحصاحيصا التي قامت بالإتصال المباشر بالمسئولين برئاسة حكومة الإقليم الأوسط و التي نجحت في عمل طريق الأسفلت الحالي بالمدينة. كان للسيد عبد الرحيم محمود القدح المُعلي الفضل الأكبر بعد الله تعالي للتصديق لنا بقطع أراضي سكنية و دكاكين بالحصاحيصا و التي تم تمويل المشروع عن طريقها و لحسن الحظ كان السيد الطيب تاج الدين يوسف المقدم هو وزير التشييد و الإسكان بالإقليم الأوسط حينها. كان من ضمن أعضاء هذه اللجنة السيد يوسف حسن بابكر، السيد المهندس علي عطا المولي،الطاهر حسن عثمان، الفاتح حمد النيل المنصوري، مصطفي صالح علي موسي، مبارك حسن عثمان و أخرين.
بدأ نشاطي الرياضي بالحصاحيصا عندما أنشأنا إتحاد طلبة الحصاحيصا و كنا حينها في المرحلة الثانوية. كنا نجتمع في نادي العُمال بالحي الأوسط بالقرب من ميدان المولد الحالي. كان رئيس الإتحاد هو المرحوم الطيب حسين علوب و المرحوم الأستاذ محمود أحمد الأمين إحيمر سكرتيراً و أذكر من ضمن الأعضاء الريح عمر مناع،مولانا الصادق سلمان، المرحوم الزين عبد القادر خرومي، أحمد عبد الرحمن الشيخ (السكرتير الأسبق لنادي الهلال العاصمي)، و المرحوم مهدي الفكي رئيس رؤساء نادي المريخ العاصمي و الذي كان والده تاجر (عيوش) بسوق الحصاحيصا. كان هذا في خمسينيات القرن الماضي، كما كان النادي الرياضي الوحيد بمدينة الحصاحيصا هو النادي الأهلي شيخ أندية مدينة الحصاحيصا و الذي إنتقل نشاطنا إليه و أذكر أننا قمنا بإحياء حفل غنائي لصالح النادي الأهلي و كُنا و الدنيا رمضان و نحن صائمين نوزع التذاكر بين المسلمية و طابت و المحيريبا علي أن يقام الحفل في العيد. كان الفنان الذي أحيا هذا الحفل هو المرحوم الفنان أحمد المصطفي و كان الحضور الجماهيري كبيراً و نفدت التذاكر و قمنا بطباعة تذاكر ورقية إضافية. كان المزارعون في مشروع الجزيرة في ذلك الوقت هم الأميز من الناحية الإقتصادية و حضروا لهذه الليلة بكميات كبيرة. أذكر أنه عندما تغني الراحل أحمد المصطفي أحد الأغنيات و التي بها مقطع (فستانو البمبي و زرايرو الخضراء) طارت العمائم و لم تعد إلي الأن و ذلك لحالة (شبع الرأس) في ذلك الزمن الذي كان كل شئ فيه جميلاً من غير تكلف أو عولمة..!! و من عائد هذه الليلة تم شراء أثاثات للنادي و هي موجودة حتي الأن كما حدثني أحدهم مؤخراً.
بعد ذلك تم إنشاء نادي الهلال بالحصاحيصا و تلاه تأسيس نادي المريخ الذي صرت عضواً به في العام 1957م و كنت من المؤسسين و كنت عُضواً نشطاً و شاركت في بعض اللجان و أذكر من رؤساء النادي الأماجد الذين واكبت العمل معهم المرحوم التاي مصطفي، رئيس الحسابات السابق بمجلس مدينة الحصاحيصا، المرحوم فضل عبد الماجد و الذي له الفضل الأكبر بعد الله تعالي في بناء هذا النادي. و بمثلما كان غالبية أعضاء النادي الأهلي من أبناء الحي الأوسط، كان أيضاً غالبية أعضاء نادي المريخ من الحي الشرقي و أغلبية أعضاء نادي الهلال من حي العمدة و حي كريمة. كما كانت الأندية قريبة من بعض و نتجول بأرجلنا من نادي المريخ إلي نادي الأهلي إلي نادي قلب الجزيرة الذي تم تأسيسه لاحقاً.
ثم أنشأت دار الرياضة (إستاد الحصاحيصا) في خمسينيات القرن الماضي علي ما أذكر و كانت من (الخيش) و كان أول رئيس إتحاد هو المرحوم الطيب عبد الله الإداري المعروف و رئيس نادي الهلال العاصمي الأسبق الذي كان يعمل مفتش مركز بحري الجزيرة و كان سكرتير الإتحاد أنذاك المرحوم أحمد المصطفي حسين. ثم بدأ التفكير في بناء دار الرياضة علي نحوٍ حديث و كان في ذلك الوقت نائب الدائرة في البرلمان السوداني هو أبو اليسر مدني و وزير المالية في حكومة الأزهري هو الشريف حسين الهندي و أذكر أنه قام الأخ محمد الحسن إدريس (حاج علي) و المرحوم عثمان يس بالإتصال بأبواليسر الذي قام بدوره بالإتصال بالشريف حسين الهندي وزير المالية الذي تبرع بمبلغ خمسة ألاف جنيه سوداني كما ساهم مشروع الجزيرة بمبلغ مماثل و تم بناء جدران إستاد الحصاحيصا الحالي من تلك المبالغ و بمساهمة أخرين من رجالات الحصاحيصا و أذكر منهم المقاول (عبد الحفيظ أحمد محمد) الذي ساهم في البناء مجاناً من دون أية مقابل مادي.
و كان من المفترض أن يسدد مبلغ الخمسة ألاف جنيه لوزارة المالية بواقع مائة جنيه شهرياً و كنت حينها عُضواً في مجلس إدارة إتحاد كرة القدم بالحصاحيصا و لم نستطع تسديد المبلغ شهرياً، لذا تم إنتدابي أنا و الأخ الطيب حاج علي موفدين من قِبل مجلس إدارة إتحاد كرة القدم بالحصاحيصا بخطاب لوزارة الشباب و الرياضة أنذاك في عهد الرئيس جعفر محمد نميري و كان الوزير هو الدكتور منصور خالد. كان مضمون الخطاب هو تأجيل الأقساط لأن دخل المباريات لا يسمح و كنا نفكر في عمل المساطب الشعبية و الجانبية و ذهبنا للخرطوم و نزلنا بفندق الشرق و لم نتوفق في مقابلة الدكتور منصور خالد الذي كان في رحلة عمل خارج السودان و كان الرئيس جعفر نميري يتولي القيام بأعباء وزارة الشباب و الرياضة بدلاً عنه. هنا إنضم إلينا الأخوان عثمان يس و حاج علي و شرحنا لهم الموقف و بعد جهدٍ جهيد، تمكننا من توجيه خطاب لوزارة الشباب و الرياضة و لم تتم مطالبتنا بدفع المبالغ لاحقاً. جدير بالذكر، أنه عندما علمنا بإرتفاع أجرة الفندق اليومية، غادرنا الفندق و قطعنا الرحلة مباشرةٍ حِفاظاً علي مال الإتحاد.
كما شاركت في عدة لجان بإتحاد كرة القدم بالحصاحيصا و التي تم من خلالها بناء المساطب الجانبية و منشأت أخري و من الذين عملت معهم في الإتحاد المرحوم التاي مصطفي، السر محمد أحمد، الأستاذ عثمان حسن عبد الرحمن، عبد المجيد شجر الخيري، الأستاذ إبراهيم سيد أحمد، الطيب الحاج علي، جعفر محمود سيد أحمد، المرحوم صديق حسين عثمان و أخرون. كان معظم التمويل لإتحاد كرة القدم بالحصاحيصا يأتي من السيد عبد الرحيم محمود حاكم الإقليم الأوسط في ذلك العهد. و في وقت من الأوقات، كنت أمثل إتحاد كرة القدم بالحصاحيصا لدي إتحاد كرة القدم السوداني الذي كان يترأسه الدكتور عبد الحليم محمد حينها، له الرحمة، كما كان السكرتير هو السيد سعد أبو العلا.
في أثناء دراستي بكلية المعلمين ببخت الرضا بالدويم، درجت الشعب المختلفة علي تنظيم رحلات إلي مناطق السودان المختلفة، شعبة التاريخ إلي الإقليم الشمالي نسبة لوجود الأثار التاريخية المختلفة، شعبة الرياضيات إلي جبل مرة و شعبة العلوم التي كنت أنتمي إليها إلي جنوبنا الحبيب و هكذا.
بدأت رحلتنا إلي الجنوب من مدينة كوستي بالبابور و إستغرقت الرحلة حوالي 15 يوم لأنها البابور يسير عكس تيار المياهـ و مرت بعدة مناطق و محطات بها مناظر خلابة و غير طبيعية، كما أن الجنوبيون كانوا يحضرون لمقابلة الوابور لبيع بعض الأشياء للمسافرين..كان الجنوبيون يهرعون (عرايا)، أي بدون ملابس، نحو الوابور و كان هذا شيئاً عادياً لديهم في فترة قبل الإستقلال إبان الإستعمار الإنجليزي الذي أرى أنه لم يُطور الجنوب و الجنوبيون، بل كانوا و لا زالوا أكبر داعم لإنفصال الجنوب تحت دعاوى (التهميش)..!!
وصلنا إلى جوبا بعد رحلة ممتعة و قضينا فيها أيام أمتع و من ثم عبرنا للضفة الشرقية، شرق النيل الأبيض، إلى توريت، معقل التمرد الأول في العام 1955م. في توريت، وجدنا بعض الشماليين الذين حضروا التمرد مثل عائلة (القراري) و شرحوا لنا كل تفاصيل التمرد. و ذكر والدهم أنه كان في الخرطوم و لكن أهله كانوا موجودين و مات منهم عدد كبير. و رأينا أثار طلقات البنادق على الجدران و تم ترك هذه الأثار عند الصيانة حتى تكون للذكرى. لم نكتفي بذلك فقط، بل ذهبنا حتى للمقابر لنرى بأعيننا عدد قبور الشماليون الذين قتلهم المتمردون الجنوبيون.
قضينا بضعة أيام في مدينة توريت ثم رجعنا إلى مدينة (كنزي) و هي منطقة مشهورة بصنع الأثاث و بها جبل إسمه جبل (قيلو) و هو جبل له طرفين، أحدهما عالي و الأخر منخفض و توجد إستراحة في الجانب الأعلى حيث صعدنا إلى أعلى الجبل حيث الجو الخلاب و الطبيعة الساحرة و كنا نرى السُحب تحت منا.. تزامن هذا مع مرور فترة قليلة من زيارة والدة ملك الأردن السابق و هي الملكة (زين) المعجبة بهذه المنطقة السياحية و تركت إعجابها هذا في كتابتها لمذكرات.
بعدها، توجهنا نحو مدينة (نمولي) و نزلنا في إستراحة عالية جداً في جبل (لا استحضر إسمه)، و كنا نرى النيل الأبيض ينساب من فوق بسرعة شديدة . كما أن هذه المنطقة بها جميع أنواع الحيوانات البرية (أسود، نمور، أفيال، ……….. إلخ) و هناك شرطة تحرس المنطقة و التي طلبنا منهم أن يسمحوا لنا أن يرافقوننا في جولة سياحية على سفوح الجبل و قد كان منهم ما أردنا، فسرحنا و مرحنا في ذلك المكان. و قد كان يُأخذ زوار البلاد من الرؤساء (جمال عبد الناصر، تيتو، ……..إلخ) إلى هذا الجبل بغرض السياحة و الترفيه.
مقالات مشابهة
ابن الحصاحيصا الموسيقار عاصم قرشي يعيد دوزنة الألحان الشعبية السودانية
سيف الدين عبدالرحمن يتبرع لانشاء مجمع حرم الاسلامي
الفنان الراحل عبدالمنعم حسيب